الجمعة، 22 أبريل 2011

بعض ملامح الناخب المصري قبل وبعد 25 يناير

تعتبر أدوات الدعاية الانتخابية من المبادئ المعروفة لدي أغلب العاملين في هذا المجال بحيث يمكننا القول أن معرفتها ليست معضلة. غير أن الكثير من هذه الأدوات –في حالتها الخام أو بالطريقة التي يصفها الكتاب- قد لا تكون صالحة للتواصل مع جماهير العديد من المناطق الجغرافية أو البيئات في مصر إلا إذا تم تطويعها بالطريقة التي تتناسب مع طبيعة سكان كل منطقة وخصائصهم الاقتصادية والاجتماعية فضلاً عن مستواهم التعليمي والثقافي. لذا فإن عملية المواءمة بين الأدوات الخام للدعاية الانتخابية وطبيعة كل منطقة هو بالتحديد ما سنهتم به في هذا القسم.


ثقافة الناخب المصري قبل 25 يناير

إذا كنا قد سبق وتحدثنا في تدوينة سابقة عن أدوات الدعاية الانتخابية، فانه من المهم أيضاً –وقبل الحديث عن كيفية مواءمة هذه الأدوات مع طبيعة الناخب المصري- أن نتناول ولو بصورة سريعة طبيعة هذا الناخب وطريقة تعامله مع العملية الانتخابية وذلك خلال الفترة السابقة لـ 25 يناير والتي قد تحتاج لفترة طويلة قبل أن تطرأ عليها تغيرات جذرية.


1- الناخب المصري بين السياسة والخدمات

لم يكن من عادة أغلب الناخبين المصريين قبل 25 يناير اعتبار الانتخابات التشريعية ساحة للتعبير عن رأيهم السياسي فبالنسبة لشريحة عريضة من الناخبين المصريين، الرأي السياسي شئ والانتخاب شئ آخر: الأول يتم في ساحات أخري غير الساحات السياسية الرسمية أما الثاني فيعتمد على ما "يفعله" المرشح أو "يعد بفعله" من خدمات سواء كان ذلك قبل الانتخابات أو أثناء الحملة الانتخابية (1).

والحقيقة أن انشغال الناخب المصري بما سيقدمه مرشح مجلس الشعب من خدمات أكتر من اهتمامه بتوجهات المرشح السياسية أو الأيديولوجية لا يرجع إلى سطحية الناخب بقدر ما يرجع إلى الاختلال المتعمد الذي أدخله نظام السادات في 1979 على الهيكل السياسي والإداري للدولة المصرية. فالأصل أن توفير الخدمات عادة ما يدخل ضمن اختصاصات نواب المجالس المحلية بينما يترك أمر السياسيات العامة للدولة على المستوي الداخلي والخارجي لنواب مجلس الشعب. لكن نتيجة لسلسلة من الإجراءات الحكومية التي أدخلها السادات-والتي ومازالت مستمرة معنا حتى اليوم- والتي سعت لإضعاف نواب المجالس المحلية، تم نقل تركة المجالس المحلية (والمتركزة على توفير الخدمات) إلى نواب مجلس الشعب بغرض إلهائهم عن دورهم السياسي.

بمعنى آخر، لم يحدث في تاريخ مصر ومنذ انقلاب 1952، أن اهتم الناخب المصري بالتوجه السياسي لمرشحه في مجلس الشعب سوي لمدة 3 سنوات في الفترة من 1976 وحتى 1979. حيث أجريت في 1976 انتخابات تشريعية بعد سلسلة من الإصلاحات التي أعطت المجالس الشعبية (أو المحلية) سلطات حقيقية، الأمر الذي ساهم في تخفيف ما كان يقع على نواب مجلس الشعب من أعباء ومهام محلية ليتفرغوا لمهامهم القومية المتمثلة في مراقبة بل والاشتراك في وضع سياسيات عامة للدولة على المستوى الداخلي والخارجي... واستمر ذلك حتى 1979 عندما وجد السادات أن المحليات بدأت تمارس سلطات واسعة وأن نواب الشعب بدأ دورهم السياسي في التصاعد والظهور فقام بإصلاح مضاد في السلطة المحلية بهدف إعادة دور نواب الشعب إلى ما كان عليه أي شغلهم من جديد بالمهام المحلية وتوفير الخدمات (2) .


2- الناخب المصري والعصبيات


في دراستها التحليلية للانتخابات برلمان 2000، رصدت إحدى الباحثات أن 399 من إجمالي 444 نائب برلماني اعتمدوا في فوزهم على رابطة الدم والعشائرية والعائلات (3) . وحسبما أظهرت الإحصائية فإن هذه الظاهرة متواجدة بصورة أكبر في ريف الصعيد منها في ريف الدلتا. غير أن الدراسة عادت وأكدت أن العصبيات التقليدية (كون المرشح ابن الدائرة) وحدها لا يمكن أن تكون ضامن للفوز إلا إذا أضيف إليها عصبيات جديدة سياسية، مهنية، أو نقابية (مثل أن يكون لديه شبكة قوية من العلاقات النقابية، والمهنية ...) (4).

ويرجع السبب الرئيسي في ظاهرة العصبيات في الصعيد إلى وجود ما يسمي "بأزمة التوغل" crise de pénétration . وتعتبر هذه الأزمة واحدة من ضمن مجموعة من الأزمات التي تواجهها السلطات في الدول النامية (5) وتعني أن الدولة تكون غير قادرة على التوغل أو على فرض سيطرتها على بعض المناطق الجغرافية الواقعة ضمن حدودها إما نتيجة للطبيعة الجغرافية لهذه المناطق أو لوجود عدد من مراكز القوي الأخرى في هذه المناطق تجعل من ممارسة الدولة لدورها أمراً صعباً.

ونتيجة لكون العائلات والعشائر تلعب دوراً هاماً في العديد من مناطق الصعيد بل ونتيجة لكون الدولة قد اعتمدت عليها أساساً في التسعينات للقضاء على الجماعات المتشددة في جنوب الصعيد (بعد أن فشلت منفردة في القيام بذلك)، فقد ترسخ نفوذ العصبيات القبلية ودورها في الحياة السياسية المصرية بل وأصبحت من ضمن العوامل المهمة التي يجب مراعاتها في العملية الانتخابية.


3- الناخب المصري والتيارات الدينية


استمراراً لرؤية قطاع عريض من الناخبين المصريين لنائب مجلس الشعب كمقدم محتمل للخدمات، يري قطاع عريض أيضا من الناخبين أن عليه رد الجميل للمرشحين أصحاب التوجهات الدينية -واللذين عادة ما تربطهم علاقات وثيقة بالجمعيات الخيرية الإسلامية- لكونهم قد قدموا خدمات بالفعل لأهالي الدائرة وليس "وعود بخدمات" كغيرهم من المرشحين (6) . وغني عن الذكر أن رد الجميل في هذه الحالة يأتي عن طريق التصويت للمرشح الإسلامي -الذي عادة ما تساعده قدرة الجمعيات الخيرية الإسلامية في القرى والمحافظات على جمع التبرعات وتقديم الخدمات- وذلك بغض النظر عن توجهاته الإيديولوجية أو السياسية.


بعد 25 يناير، هل تتغير ثقافة الناخب المصري ؟


بعد 25 يناير، أصبحت أخجل من تقديم توقعات عما يمكن أن يفعله أو ألا يفعله المواطن المصري. فحتى الساعات الأولى من يوم 25 يناير كانت رؤيتي السابقة للحركات الاحتجاجية والأعداد الهزيلة التي تساندها توحي بأن اليوم سيمضي مثله مثل غيره : مقتصراً على حفنة من النشطاء دون تأييد حقيقي من جموع الشعب. وأعترف أن الأحداث المتوالية كانت بمثابة صفعة قوية أعجزتني عن التفكير ووضعتني أمام حقيقة "إني مش فاهمة حاجة وان قدرتي على فهم المواطن المصري وثقافته السياسية صفر".

ومن ثم، وإجابة على سؤال "هل تتغير ثقافة الناخب المصري بعد 25 يناير؟"، فأنا ادعي أن كل ما سيأتي في الجدول التالي من مقارنة بين ما كانت عليه ثقافة الناخب قبل 25 يناير وما من المنتظر أن تئول إليه بعد الثورة، ما هو إلا محض تكهنات وتوقعات نظرية قد لا تمت للواقع بشيء.

po culture- electeur jan 25

ختاماً، تحدثت في تدوينة سابقة عن الأدوات الخام للدعاية الانتخابية، ثم تناولت بشكل سريع في التدوينة الحالية طبيعة الناخب المصري ورؤيته وطريقة تعامله مع العملية الانتخابية. في التدوينة القادمة بإذن الله أتناول كيفية مواءمة الأدوات الخام للدعاية الانتخابية مع الطبيعة الخاصة التي تتميز بها ثقافة الناخب المصري.









-----------------------------









  1. سارة بن نفيسة وعلاء الدين عرفات، الانتخابات والزبائنية السياسية في مصر، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، القاهرة، 2005، ص63.




  2. سارة بن نفيسة، مرجع سابق، ص140-141.




  3. سارة بن نفيسة، مرجع سابق، ص 61.




  4. سارة بن نفيسة، مرجع سابق، ص 181.




  5. والتي تناولها بالتفصيل Bertrand Badie في كتابه عن الدولة المستوردة L’État importé : L’occidentalisation de l’ordre politique.




  6. سارة بن نفيسة، مرجع سابق، ص 185.



  7. http://www.almasryalyoum.com/node/408919

هناك تعليقان (2):

  1. رصدت إحدى الباحثات أن 399 من إجمالي 444 نائب برلماني اعتمدوا في فوزهم على رابطة الدم والعشائرية والعائلات >>>>>
    reference???

    ردحذف
  2. @ غير معرف
    شكراً على تنبيهي لعدم نزول المراجع بصورة كاملة.. تم تدارك الخطأ !

    ردحذف